فصل: تفسير الآية رقم (6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (5):

{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)}
قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قال مجاهد وعكرمة: يعني الأوثان، دليله قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ} [الحج: 30]. قال ابن عباس وابن زيد. وعن ابن عباس أيضا: والمأثم فاهجر، أي فاترك. وكذا روى مغيرة عن إبراهيم النخعي قال: الرجز الإثم.
وقال قتادة: الرجز: إساف ونائلة، صنمان كانا عند البيت.
وقيل: الرجز العذاب، على تقدير حذف المضاف، المعنى: وعمل الرجز فاهجر، أو العمل المؤدي إلى العذاب. واصل الرجز العذاب، قال الله تعالى: {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} [الأعراف: 134].
وقال تعالى: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ} [الأعراف: 162]. فسميت الأوثان رجزا، لأنها تؤدي إلى العذاب. وقراءة العامة: {الرجز} بكسر الراء. وقرأ الحسن وعكرمة ومجاهد وابن محيصن وحفص عن عاصم وَالرُّجْزَ بضم الراء وهما لغتان مثل الذكر والذكر.
وقال أبو العالية والربيع والكسائي: الرجز بالضم: الصنم، وبالكسر: النجاسة والمعصية.
وقال الكسائي أيضا: بالضم: الوثن، وبالكسر: العذاب.
وقال السدي: الرجز ينصب الراء: الوعيد.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} فيه أحد عشر تأويلا،
الأول: لا تمنن على ربك بما تتحمله من أثقال النبوة، كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير.
الثاني: لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة. قال الضحاك: هذا حرمه الله على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق، وأباحه لامته، وقاله مجاهد.
الثالث: عن مجاهد أيضا: لا تضعف أن تستكثر من الخير، من قولك حبل منين إذا كان ضعيفا، ودليله قراءة ابن مسعود ولا تمنن تستكثر من الخير.
الرابع: عن مجاهد أيضا والربيع: لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير، فإنه مما أنعم الله عليك. قال ابن كيسان: لا تستكثر عملك فتراه من نفسك، إنما عملك منة من الله عليك، إذ جعل الله لك سبيلا إلى عبادته.
الخامس: قال الحسن: لا تمنن على الله بعملك فتستكثره.
السادس: لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجرا تستكثر به.
السابع: قال القرظي: لا تعط مالك مصانعة.
الثامن: قال زيد بن أسلم: إذا أعطيت عطية فأعطها لربك.
التاسع: لا تقل دعوت فلم يستجب لي.
العاشر: لا تعمل طاعة وتطلب ثوابها، ولكن اصبر حتى يكون الله هو الذي يثيبك عليها.
الحادي عشر: لا تفعل الخير لترائي به الناس.
الثانية: هذه الأقوال وإن كانت مرادة فأظهرها قول ابن عباس: لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال، يقال: مننت فلانا كذا أي أعطيته. ويقال للعطية المنة، فكأنه أمر بأن تكون عطاياه لله، لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها، لأنه عليه السلام ما كان يجمع الدنيا، ولهذا قال: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم». وكان ما يفضل من نفقة عياله مصروفا إلى مصالح المسلمين، ولهذا لم يورث، لأنه كان لا يملك لنفسه الادخار والاقتناء، وقد عصمه الله تعالى عن الرغبة في شيء من الدنيا، ولذلك حرمت عليه الصدقة وأبيحت له الهدية، فكان يقبلها ويثيب عليها. وقال: «لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلى ذراع لقبلت» ابن العربي: وكان يقبلها سنة ولا يستكثرها شرعة، وإذا كان لا يعطي عطية يستكثر بها فالاغنياء أولى بالاجتناب، لأنها باب من أبواب المذلة، وكذلك قول من قال: إن معناها لا تعطي عطية تنتظر ثوابها، فإن الانتظار تعلق بالاطماع، وذلك في حيزه بحكم الامتناع، وقد قال الله تعالى له: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى} [طه: 131]. وذلك جائز لسائر الخلق، لأنه من متاع الدنيا، وطلب الكسب والتكاثر بها. وأما من قال أراد به العمل أي لا تمنن بعملك على الله فتستكثره فهو صحيح، فإن ابن آدم لو أطاع الله عمره من غير فتور لما بلغ لنعم الله بعض الشكر.
الثالثة: قوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ} قراءة العامة بإظهار التضعيف. وقرأ أبو السمال العدوي وأشهب العقيلي والحسن {ولا تمن} مدغمة مفتوحة. {تَسْتَكْثِرُ}: قراءة العامة بالرفع وهو في معنى الحال، تقول: جاء زيد يركض أي راكضا، أي لا تعط شيئا مقدرا أن تأخذ بدله ما هو أكثر منه. وقرأ الحسن بالجزم على جواب النهي وهو ردئ، لأنه ليس بجواب. ويجوز أن يكون بدلا من تَمْنُنْ كأنه قال: لا تستكثر. وأنكره أبو حاتم وقال: لان المن ليس بالاستكثار فيبدل منه. ويحتمل أن يكون سكن تخفيفا كعضد. أو أن يعتبر حال الوقف. وقرأ الأعمش ويحيى: {تستكثر} بالنصب، توهم لام كي، كأنه قال: ولا تمنن لتستكثر.
وقيل: هو بإضمار {أن} كقوله:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

ويؤيده قراءة ابن مسعود {ولا تمنن أن تستكثر}. قال الكسائي: فإذا حذف {أن} رفع وكان المعنى واحدا. وقد يكون المن بمعنى التعداد على المنعم عليه بالنعم، فيرجع إلى القول الثاني، ويعضده قوله تعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى} [البقرة: 2 264] وقد يكون مرادا في هذه الآية. والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)}
قوله تعالى: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} أي ولسيدك ومالكك فاصبر على أداء فرائضه وعبادته.
وقال مجاهد: على ما أوذيت.
وقال ابن زيد: حملت أمرا عظيما، محاربة العرب والعجم، فاصبر عليه لله.
وقيل: فاصبر تحت موارد القضاء لأجل الله تعالى.
وقيل: فاصبر على البلوى، لأنه يمتحن أولياءه وأصفياءه.
وقيل: على أوامره ونواهيه.
وقيل: على فراق الأهل والأوطان.

.تفسير الآيات (8- 10):

{فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)}
قوله تعالى: {فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} إذا نفخ في الصور. والناقور: فاعول من النقر، كأنه الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت، والنقر في كلام العرب: الصوت، ومنه قول امرئ القيس.
أخفضه بالنقر لما علوته ** ويرفع طرفا غير خاف غضيض

وهم يقولون: نقر باسم الرجل إذ دعاه مختصا له بدعائه.
وقال مجاهد وغيره: هو كهيئة البوق، ويعني به النفخة الثانية.
وقيل: الأولى، لأنها أول الشدة الهائلة العامة. وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في النمل والأنعام وفي كتاب التذكرة، والحمد لله. وعن أبي حبان قال: أمنا زرارة بن أوفى فلما بلغ فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ خر ميتا. {فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} أي فذلك اليوم يوم شديد {عَلَى الْكافِرِينَ} أي على من كفر بالله وبأنبيائه صلى الله عليهم {غَيْرُ يَسِيرٍ} أي غير سهل ولا هين، وذلك أن عقدهم لا تنحل إلا إلى عقدة أشد منها، بخلاف المؤمنين الموحدين المذنبين فإنها تنحل إلى ما هو أخف منها حتى يدخلوا الجنة برحمة الله تعالى. و{يَوْمَئِذٍ} نصب على تقدير فذلك يوم عسير يومئذ.
وقيل: جر بتقدير حرف جر مجازه: فذلك في يومئذ.
وقيل: يجوز أن يكون رفعا إلا أنه بنى على الفتح لاضافته إلى غير متمكن.

.تفسير الآيات (11- 17):

{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)}
قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} {ذَرْنِي} أي دعني، وهي كلمة وعيد وتهديد. وَمَنْ خَلَقْتُ أي دعني والذي خلقته وحيدا، ف- وَحِيداً على هذا حال من ضمير المفعول المحذوف، أي خلقته وحده، لا مال له ولا ولد، ثم أعطيته بعد ذلك ما أعطيته.
والمفسرون على أنه الوليد بن المغيرة المخزومي، وإن كان الناس خلقوا مثل خلقه. وإنما خص بالذكر لاختصاصه بكفر النعمة وإيذاء الرسول عليه السلام، وكان يسمى الوحيد في قومه. قال ابن عباس: كان الوليد يقول: أنا الوحيد بن الوحيد، ليس لي في العرب نظير، ولا لابي المغيرة نظير، وكان يسمى الوحيد، فقال الله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ} بزعمه {وَحِيداً} لا أن الله تعالى صدقه بأنه وحيد.
وقال قوم: إن قوله تعالى: {وَحِيداً} يرجع إلى الرب تعالى على معنين: أحدهما: ذرني وحدي معه فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم. والثاني: أني انفردت بخلقه ولم يشركني فيه أحد، فأنا أهلكه ولا أحتاج إلى ناصر في إهلاكه، ف {وَحِيداً} على هذا حال من ضمير الفاعل، وهو التاء في {خَلَقْتُ} والأول قول مجاهد، أي خلقته وحيدا في بطن أمه لا مال له ولا ولد، فأنعمت عليه فكفر، فقوله: وَحِيداً على هذا يرجع إلى الوليد، أي لم يكن له شيء فملكته.
وقيل: أراد بذلك ليدله على أنه يبعث وحيدا كما خلق وحيدا.
وقيل: الوحيد الذي لا يعرف أبوه، وكان الوليد معروفا بأنه دعي، كما ذكرنا في قوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13] وهو في صفة الوليد أيضا. قوله تعالى: {وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً} أي خولته وأعطيته مالا ممدودا، وهو ما كان للوليد بين مكة والطائف من الإبل والحجور والنعم والجنان والعبيد والجواري، كذا كان ابن عباس يقول: وقال مجاهد: غلة ألف دينار، قاله سعيد بن جبير وابن عباس أيضا.
وقال قتادة: ستة آلاف دينار.
وقال سفيان الثوري وقتادة: أربعة آلاف دينار. الثوري أيضا: ألف ألف دينار. مقاتل: كان له بستان لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا.
وقال عمر رضي الله عنه: وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً غلة شهر بشهر. النعمان بن سالم: أرضا يزرع فيها. القشيري: والأظهر أنه إشارة إلى ما لا ينقطع رزقه، بل يتوالى كالزرع والضرع والتجارة.
قوله تعالى: {وَبَنِينَ شُهُوداً} أي حضورا لا يغيبون عنه في تصرف. قال مجاهد وقتادة: كانوا عشرة.
وقيل: اثنا عشر، قاله السدي والضحاك. قال الضحاك: سبعة ولدوا بمكة وخمسة ولدوا بالطائف.
وقال سعيد بن جبير: كانوا ثلاثة عشر ولدا. مقاتل: كانوا سبعة كلهم رجال، أسلم منهم ثلاثة: خالد وهشام والوليد بن الوليد. قال: فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك.
وقيل: شهودا، أي إذا ذكر ذكروا معه، قاله ابن عباس.
وقيل: شهودا، أي قد صاروا مثله في شهود ما كان يشهده، والقيام بما كان يباشره. والأول قول السدي، أي حاضرين مكة لا يظعنون عنه في تجارة ولا يغيبون. قوله تعالى: {وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً} أي بسطت له في العيش بسطا، حتى أقام ببلدته مطمئنا مترفها يرجع إلى رأيه. والتمهيد عند العرب: التوطئة والتهيئة، ومنه مهد الصبي.
وقال ابن عباس: وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً أي وسعت له ما بين اليمن والشام وقاله مجاهد. وعن مجاهد أيضا في وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً أنه المال بعضه فوق بعض كما يمهد الفراش. قوله تعالى: {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ} أي ثم إن الوليد يطمع بعد هذا كله أن أزيده في المال والولد. {كَلَّا} أي ليس يكون ذلك مع كفره بالنعم.
وقال الحسن وغيره: أي ثم يطمع أن أدخله الجنة، وكان الوليد يقول: إن كان محمد صادقا فما خلقت الجنة إلا لي، فقال الله تعالى ردا عليه وتكذيبا له: كَلَّا أي لست أزيده، فلم يزل يرى النقصان في ماله وولده حتى هلك. وثُمَّ في قوله تعالى: {ثُمَّ يَطْمَعُ} ليست بثم التي للنسق ولكنها تعجيب، وهي كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] وذلك كما تقول: أعطيتك ثم أنت تجفوني، كالمتعجب من ذلك. وقيل يطمع أن أترك ذلك في عقبه، وذلك أنه كان يقول: إن محمدا مبتور، أي أبتر وينقطع ذكره بموته. وكان يظن أن ما رزق لا ينقطع بموته.
وقيل: أي ثم يطمع أن أنصره على كفره. وكَلَّا قطع للرجاء عما كان يطمع فيه من الزيادة، فيكون متصلا بالكلام الأول.
وقيل: كَلَّا بمعنى حقا ويكون ابتداء إِنَّهُ يعني الوليد كانَ لِآياتِنا عَنِيداً أي معاندا للنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، يقال: عاند فهو عنيد مثل جالس فهو جليس، قاله مجاهد. وعند يعند بالكسر أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند. والعاند: البعير الذي يحور عن الطريق ويعدل عن القصد والجمع عند مثل راكع وركع، وأنشد أبو عبيدة قول الحارثي:
إذا ركبت فاجعلاني وسطا ** إني كبير لا أطيق العندا

وقال أبو صالح: عَنِيداً معناه مباعدا، قال الشاعر:
أرانا على حال تفرق بيننا ** نوى غربة إن الفراق عنود

قتادة: جاحدا. مقاتل: معرضا. ابن عباس: جحودا.
وقيل: إنه المجاهر بعدوانه. وعن مجاهد أيضا قال: مجانبا للحق معاندا له معرضا عنه. والمعنى كله متقارب. والعرب تقول: عند الرجل إذا عتا وجاوز قدره. والعنود من الإبل: الذي لا يخالط الإبل، إنما هو في ناحية. ورجل عنود إذا كان يحل وحده لا يخالط الناس. والعنيد من التجبر. وعرق عاند: إذا لم يرقأ دمه، كل هذا قياس واحد وقد مضى في سورة إبراهيم. وجمع العنيد عند، مثل رغيف ورغف. قوله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ} أي سأكلفه. وكان ابن عباس يقول: سألجئه، والإرهاق في كلام العرب: أن يحمل الإنسان على الشيء. {صَعُوداً} «الصعود: جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي كذلك فيه أبدا» رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خرجه الترمذي وقال فيه حديث غريب.
وروى عطية عن أبي سعيد قال: صخرة في جهنم إذا وضعوا عليها أيديهم ذابت فإذا رفعوها عادت، قال: فيبلغ أعلاها في أربعين سنة يجذب من أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع، حتى إذا بلغ أعلاها رمى به إلى أسفلها، فذلك دأبه أبدا. وقد مضى هذا المعنى في سورة {قُلْ أُوحِيَ} [الجن: 1] وفي التفسير: أنه صخرة ملساء يكلف صعودها فإذا صار في أعلاها حدر في جهنم، فيقوم يهوي ألف عام من قبل أن يبلغ قرار جهنم، يحترق في كل يوم سبعين مرة ثم يعاد خلقا جديدا.
وقال ابن عباس: المعنى سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيه. ونحوه عن الحسن وقتادة.
وقيل: إنه تصاعد نفسه للنزع وإن لم يتعقبه موت، ليعذب من داخل جسده كما يعذب من خارجه.